الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»
.تفسير الآيات (16- 20): {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)}قوله عز وجل: {ولقد جعلنا في السماء بروجاً} فيه خمسة أقاويل:أحدها: أنها قصور في السماء فيها الحرس، قاله عطية.الثاني: أنها منازل الشمس والقمر، قاله علي بن عيسى.الثالث: أنها الكواكب العظام، قاله أبو صالح، يعني السبعة السيارة.الرابع: أنها النجوم، قاله الحسن وقتادة.الخامس: أنها البروج الاثنا عشر.وأصل البروج الظهور، ومنه تبرجت المرأة إذا أظهرت نفسها.{وزيناها للناظرين} أي حسنّاها.{وحفظناها من كل شيطان رجيم} يعني السماء. وفي الرجيم ثلاثة أوجه:أحدها: أنه الملعون، قاله قتادة.الثاني: المرجوم بقول أو فعل، ومنه قول الأعشى:الثالث: أنه الشتيم. زعم الكلبي أن السموات كلها لم تحفظ من الشياطين إلى زمن عيسى، فلما بعث الله تعالى عيسى حفظ منها ثلاث سموات، إلى مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفظ جميعها بعد بعثه وحرسها منهم بالشهب.قوله عز وجل: {إلا من استرق السمع} ومسترق السمع من الشياطين يسترقه من أخبار الأرض دون الوحي، لأن الله تعالى قد حفظ وحيه منهم.ومن استراقهم له قولان:أحدهما: أنهم يسترقونه من الملائكة في السماء.الثاني: في الهواء عند نزول الملائكة من السماء. وفي حصول السمع قبل أخذهم بالشهاب قولان:أحدهما: أن الشهاب يأخذهم قبل وصولهم إلى السمع، فيصرفون عنه.الثاني: أنه يأخذهم بعد وصول السمع إليهم.وفي أخذهم بالشهاب قولان:أحدهما: أنه يخرج ويحرق ولا يقتل، قاله ابن عباس.الثاني: أنه يقتل، قاله الحسن وطائفة.فعلى هذا القول في قتلهم بالشهب قبل إلقاء السمع إلى الجن قولان:أحدهما: أنهم يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم، فعلى هذا لا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء، قاله ابن عباس: ولذلك انقطعت الكهانة.الثاني: أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجن، ولذلك ما يعودون إلى استراقه، ولو لم يصل لانقطع الإستراق وانقطع الإحراق.وفي الشهب التي يرجمون بها قولان:أحدهما: أنها نور يمتد بشدة ضيائه فيحرقهم ولا يعود، كما إذا أحرقت النار لم تعد.الثاني: أنها نجوم يرجمون بها وتعود إلى أماكنها، قال ذو الرمة: قوله عز وجل: {والأرض مددناها} أي بسطناها. قال قتادة. بسطت من مكة لأنها أم القرى. {وألقينا فيها رواسي} وهي الجبال.{وأنبتنا فيها من كل شيء موزون} فيه أربعة أقاويل:أحدها: يعني مقدر معلوم، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير. وإنما قيل {موزون} لأن الوزن يعرف به مقدار الشيء. قاله الشاعر: الثاني: يعني به الأشياء التي توزن في أسواقها، قاله الحسن وابن زيد.الثالث: معناه مقسوم، قاله قتادة.الرابع: معناه معدود، قاله مجاهد.ويحتمل خامساً: أنه ما يوزن فيه الأثمان لأنه أجل قدراً وأعم نفعاً مما لا ثمن له.قوله عز وجل: {وجعلنا لكم فيها معايش} فيه ثلاثة تأويلات:أحدها: أنها الملابس، قاله الحسن.الثاني: أنها المطاعم والمشارب التي يعيشون فيها، ومنه قول جرير: الثالث: أنها التصرف في أسباب الرزق مدة أيام الحياة، وهو الظاهر.{ومن لستم له برازقين} فيه ثلاثة أقاويل:أحدها: أنها الدواب والأنعام، قاله مجاهد.الثاني: أنها الوحوش، قاله منصور.الثالث: العبيد والأولاد الذين قال الله فيهم {نحن نرزقهم وإياكم} [الإسراء: 31] قاله ابن بحر. .تفسير الآيات (21- 25): {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)}قوله عز وجل: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه} يعني وإن من شيء من أرزاق الخلق إلا عندنا خزائنه وفيه وجهان:أحدهما: يعني مفاتيحه لأن في السماء مفاتيح الأرزاق، وهو معنى قول الكلبي.الثاني: أنها الخزائن التي هي مجتمع الأرزاق. وفيها وجهان:أحدهما: ما كتبه الله تعالى وقدره من أرزاق عباده.الثاني: يعني المطر المنزل من السماء، لأنه نبات كل شيء، قال الحسن: المطر خزائن كل شيء.{وما ننزله إلا بقدر معلوم} قال ابن مسعود: ما كان عامٌ بأمطر من عام ولكن الله يقسمه حيث يشاء، فيمطر قوماً ويحرم آخرين.قوله عز وجل: {وأرسلنا الرياحَ لواقِحَ} فيه قولان:أحدهما: لواقح السحاب حتى يمطر، قاله الحسن وقتادة، وكل الرياح لواقح. غير أن الجنوب ألقح وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما هبت ريح جنوب إلا أنبع الله تعالى بها عيناً غدقة».الثاني: لواقح للشجر حتى يثمر، قاله ابن عباس.وقال أبو عبيدة: لواقح بمعنى ملاقح. وقال عبيد بن عمير: يرسل الله تعالى المبشرة فتقم الأرض قمّاً، ثم يرسل المثيرة فتثير السحاب، ثم يرسل المؤلفة فتؤلفه، ثم يرسل اللواقح فتلقح الشجر.قوله عز وجل: {فأنزلنا من السماء ماءً} يعني من السحاب مطراً.{فأسقيناكموه} أي مكناكم منه، والفرق بين السقي والشرب أن السقي بذل المشروب، والشرب: استعمال المشروب، فصار الساقي باذلاً، والشارب مستعملاً.{وما أنتم له بخازنين} فيه وجهان:أحدهما: بخازني الماء الذي أنزلناه.الثاني: بمانعي الماء الذي أنزلناه.قوله عز وجل: {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد عَلِمنا المستأخرين} فيه ثمانية تأويلات:أحدها: أن المستقدمين الذين خلقوا، والمستأخرين الذين لم يخلقوا، قاله عكرمة.الثاني: المستقدمين الذين ماتوا، والمستأخرين الذين هم أحياء لم يموتوا، قاله الضحاك.الثالث: المستقدمين أول الخلق، والمستأخرين آخر الخلق، قاله الشعبي.الرابع: المستقدمين أول الخلق ممن تقدم على أمة محمد، والمستأخرين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد.الخامس: المستقدمين في الخير، والمستأخرين في الشر، قاله قتادة.السادس: المستقدمين في صفوف الحرب، والمستأخرين فيها، قاله سعيد بن المسيب.السابع: المستقدمين من قتل في الجهاد، والمستأخرين من لم يقتل، قاله القرظي.الثامن: المستقدمين في صفوف الصلاة، والمستأخرين فيها.روى عمر بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأةٌ من أحسن الناس، لا والله ما رأيت مثلها قط، فكان بعض الناس يستقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطه في الصف، فأنزل الله تعالى في شأنها هذه الآية..تفسير الآيات (26- 27): {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)}قوله عز وجل: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حَمَإٍ مسنون} أما الإنسان ها هنا فهو آدم عليه السلام في قول أبي هريرة والضحاك.أما الصلصال ففيه ثلاثة أقاويل:أحدها: أنه الطين اليابس الذي لم تصبه نار، فإذا نقرته صل فسمعت له صلصلة، قاله ابن عباس وقتادة، ومنه قول الشاعر:والصلصة: الصوت الشديد المسموع من غير الحيوان، وهو مثل القعقعة في الثوب.الثاني: أنه طين خلط برمل، قاله عكرمة.الثالث: أنه الطين المنتن، قاله مجاهد، مأخوذ من قولهم: صَلَّ اللحمُ وأصَلَّ إذا أنتن، قال الشاعر: والحمأ: جمع حمأة وهو الطين الأسود المتغير.وفي المسنون سبعة أقاويل:أحدها: أن المسنون المنتن المتغير، من قولهم قد أسن الماء إذا تغير، قاله ابن عباس، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت: الثاني: أن المسنون المنصوب القائم، من قولهم وجه مسنون، قاله الأخفش.الثالث: أن المسنون المصبوب، من قولهم سنيتُ الماء على الوجه إذا صببته عليه، قاله أبو عمرو بن العلاء، ومنه الأثر المروي عن عمر أنه كان يسن الماء على وجهه ولا يشنُّه، والشن تفريق الماء، والسن صبه.الرابع: أن المسنون الذي يحك بعضه بعضاً، من قولهم سننت الحجر على الحجر إذا حككت أحدهما بالآخر، ومنه سمي المسَنّ لأن الحديد يسن عليه، قاله الفراء.الخامس: أن المسنون المنسوب.السادس: أنه الرطب، قاله ابن أبي طلحة.السابع: أنه المخلص من قولهم سن سيفك أي اجلهُ.قوله عز وجل: {والجانَّ خلقناه من قبل من نار السموم} وفي الجان ثلاثة أقاويل:أحدها: أنه إبليس، قاله الحسن.الثاني: أنهم الجن حكاه ابن شجرة.الثالث: أنه أبو الجن قاله الكلبي فآدم أبو الإنس، والجان: أبو الجن، وإبليس أبو الشياطين.قال ابن عباس: الجان أبو الجن وليسوا شياطين. والشياطين ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس. والجن يموتون، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر.{خلقناه من قبل} يعني من قبل آدم. قال قتادة: لأن آدم إنما خلق آخر الخلق.وقوله تعالى: {من نار السّموم} فيه أربعة أقاويل:أحدها: يعني من لهب النار، قاله ابن عباس.الثاني: يعني من نار الشمس، قاله عمرو بن دينار.الثالث: من حر السموم، والسموم: الريح الحارة. ذكره ابن عيسى.الرابع: أنه نار السموم نار الصواعق بين السماء وبين حجاب دونها، قاله الكلبي وسمي سموماً لدخوله في مسام البدن.
|